الْعَرَضُ في اللُّغَةِ اسْمٌ لِمَا لا دَوَامَ لَهُ لِذَلِكَ يُسَمَّى السَّحَابُ عَارِضًا، وَعِنْدَ الْمُتَكَلِّمينَ اسْمٌ لِلصِّفَاتِ الْقَائِمَةِ بِالْجَوْهَرِ كَالأَلوانِ والطُّعُومِ والرَّوائِحِ والأَصْواتِ وَالْقُدَرِ وَالإرَادَاتِ وَهِيَ قَريبٌ مِنْ نَيِّفٍ وَثَلاثِينَ نَوْعًا، وَهُوَ أَحَدُ نَوْعَيِ الْعَالَمِ، وَالنَّوْعُ الآخَرُ الْجَوْهَرُ وَيُقَالُ لَهُ الْعَيْنُ وَهُوَ مَا يَقُومُ بِنَفْسِهِ، وَيَعْنُونَ بِمَا يَقُومُ بِنَفْسِهِ أَنَّهُ يَصِحُّ وُجُودُهُ لا في مَحَلٍّ يَقُومُ بِهِ سَواءٌ كَانَ مُرَكَّبًا أَوْ غَيْرَ مُرَكَّبٍ بِخِلافِ الْعَرَضِ فَإِنَّهُ يَسْتَحيلُ وُجُودُهُ لا في مَحَلٍّ إِذْ عُرِفَ بِبَدِيهِ الْعَقْلِ اسْتِحَالَةُ وُجُودِ حَرَكَةٍ غَيْرِ قَائِمَةٍ بِمُتَحَرِّكٍ، ثُمَّ الْقَائِمُ بِنَفْسِهِ إِمَّا أَنْ يَكُونَ مُرَكَّبًا وَهُوَ الْجِسْمُ وَأَقَلُّهُ جَوْهَرَانِ، وَحَدُّهُ الصَّحيحُ الْمُخْتَلِفَانِ فَصَاعِدًا مَا تَرَكَّبَ مِنْ جَوْهَرَينِ فَأَكْثَرَ فَهُوَ الْجِسْمُ، أَوْ يَكُونَ غَيْرَ مُرَكَّبٍ وَهُوَ الْجَوْهَرُ، لَمَّا كَانَ أَصْلاً لِلأَجْسَامِ سُمِّيَ جَوْهَرًا، وَالْجَوْهَرُ لُغَةً هُوَ الأَصْلُ، أَصْلُ الشَّىْءِ يُقَالُ لَهُ جَوْهَرٌ. وَالْفَائِدَةُ مِنْ هَذَا إِثْبَاتُ أَنَّ الْعَالَمَ جَوَاهِرُ أَيْ حَوَادِثُ قَائِمَةٌ بِنَفْسِهَا وَأَعْرَاضٌ أَيْ صِفَاتُ هَذِهِ الْجَوَاهِرِ الَّتي لا تَقُومُ إلا في غَيْرِهَا كَالْحَرَكَةِ والسُّكُونِ واللهُ هُوَ خَالِقُ الْعَالَمِ جَوَاهِرِهِ وَأَعْرَاضِهِ فَلا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِثْلَ شَىْءٍ مِنَ الْعَالَمِ لِقَوْلِهِ تعالى {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْءٌ} وَلا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ اللهُ في مَكَانٍ وَجِهَةٍ لأَنَّ الَّذي يَكُونُ في مَكَانٍ وَجِهَةٍ يَكُونُ مِثْلُهُ أَشْيَاءَ كَثِيرَةٌ وَلا يَكُونُ إِلا حَجْمًا وَاللهُ خَالِقُ الأَحْجَامِ كُلِّهَا قَالَ تعالى {وَكُلُّ شَىْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ}.
وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْجِسْمِ وَالْبَدَنِ أَنَّ الْجِسْمَ أَعَمُّ مِنَ الْبَدَنِ لأَنَّ الْجِسْمَ يُطْلَقُ على الْجِسْمِ السَّمَاوِيِّ وَغَيْرِهِ وَالْبَدَنُ لا يُطْلَقُ عَلى الْجِسْمِ السَّمَاوِيِّ اصْطِلاحًا وَالْجَسَدُ مُرَادِفُ الْبَدَنِ. وَيُقَالُ في تَعْريفِ الْجَوْهَرِ الْقَائِمُ بِالذَّاتِ الْقَابِلُ لِلْمُتَضَادَّاتِ وَأَنْكَرَتِ الفَلاسِفَةُ وَالنَّظَّامُ وُجُودَ مَا سَمَّاهُ أَهْلُ الْحَقِّ جَوْهَرًا وَهُوَ الْجُزْءُ الَّذي بَلَغَ في الْقِلَّةِ بِحَيْثُ لا يَتَجَزَّأُ وَزَعَمُوا أَنَّ الْجُزْءَ وَإِنْ قَلَّ فَهُوَ يَتَجَزَّأُ إلى مَا لا نِهَايَةَ لَهُ، وَاسْتَدَلُّوا لِقَوْلِهِمُ الْفَاسِدِ هَذَا بِأَنَّ كُلَّ مُتَحَيِّزٍ فَيَمِينُهُ غَيْرُ يَسَارِهِ فَيَكُونُ مُنْقَسِمًا ضَرُورَةً. قَالَ أَهْلُ الْحَقِّ في الْجَوَابِ على ذَلِكَ جَازَ أَنْ يَكُونَ وَاحِدًا وَالْوَجْهَانِ عَرَضَانِ قَائِمَانِ بِهِ بِدَليلِ أَنَّ طَرَفَ الْخَطِّ غَيْرُ مُنْقَسِمٍ وَإِلا َلا يَكُونُ طَرَفًا.
الْحَمْدُ للهِ أَنَّ اللهَ هَدَى أَهْلَ السُّنَّةِ إلى الصَّوابِ في مَعْرِفَةِ اللهِ فَقالُوا إِنَّ اللهَ هُوَ الْمَوْجُودُ الَّذي لا بِدَايَةَ لَهُ وَلا نِهَايَةَ وَهُوَ الْمَوْجُودُ الَّذي لَيْسَ جِسْمًا لَيْسَ حَجْمًا وَلا يَتَّصِفُ بِصِفَاتِ الأَحْجَامِ كَالشَّكْلِ وَالْهَيْئَةِ وَالصُّورَةِ والأَعْضَاءِ وَالْكَوْنِ في الْجِهَةِ أَوِ الْمَكَانِ والتَّغَيُّر مِنْ حَالٍ إلى حَالٍ كَالاتِّصَافِ بِالْحَرَكَةِ والسُّكُونِ الْمُتَعَاقِبَيْنِ وَالانْفِعَال وَقَالُوا إِنَّ مَعْرِفَةَ اللهِ لا تُطْلَبُ بِالتَّصَوُّرِ والتَّوَهُّمِ وَأَيَّدُوا ذَلِكَ مِنْ حَديثِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم الَّذي رَوَاهُ أبو القَاسِمِ الأَنْصَارِيُّ {لا فِكْرَةَ في الرَّبِ} وَمِنْ حَديثِ [تَفَكَّرُوا في كُلِّ شَىْءٍ وَلا تَفَكَّرُوا في ذَاتِ الله]، وَقالَ اللهُ تعالى {وَأنَّ إِلى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى} قَالَ أبَيُّ بْنُ كَعْبٍ [إِلَيْهِ تَنْتَهي أَفْكَارُ الْعِبادِ فلا تَصِلُ إِليهِ] وقال مثْلهُ الوَلِيُّ الْعَارِفُ بِاللهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أبي نُعْم، وقالَ تعالى {لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ} أَيْ لا تَصِلُ إِلَيْهِ تَصَوُّرَاتُ الْعِبَادِ.