أثر المعصية وخطورة المجاهرة في هذا افادنا : عبدالرحمان زيطوط بمايلي :
الحمد لله الذي سبَّحت الكائنات بحمده , جلَّ جلاله وتقدَّست أسماؤه , وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له , يغفر الذنب ويقبل التوبة ويعفو عن السيئات , وهو شديد العقاب عزيزٌ ذو انتقام .
وأشهد أنَّ محمَّداً عبده ورسوله , أرسله كما أرسل من قبله مَنْ يدعون إلى دار السَّلام , ويحذِّرون من المعاصي والآثام , فصلوات الله وتسليماته على نبيِّه وخليله محمد بن عبد الله وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان .
أمَّا بعدُ :
فيا أيها الناس , اتَّقوا ربكم – سبحانه- وأطيعوه , واجتنبوا معصيته وراقبوه , يا أهل الإيمان استمعوا إلى خطاب الرحمن {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ * وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} (24-25)سورة الأنفال . فبعد أن أمر بالاستجابة لأوامره سبحانه وأوامر رسوله صلى الله عليه وسلم وأخبرهم أنَّ بذلك سعادة الدنيا والآخرة والحياة الأبدية في النعيم المقيم , ذكر سبحانه أن أزمة القلوب بيده يصرفها كيف يشاء , فلا يدرك الإنسان شيئاً إلا بمشيئة الله , ثم أمر المؤمنين ألا يُقِرُّوا المنكر فيما بينهم فيعمَّهم الله بالعذاب .
أيُّها النَّاس :
لقد خلقنا الله لعبادته وطاعته , ورزقنا وأنعم علينا , وحذرنا من مخالفة أمره أو أمر رسوله صلى الله عليه وسلم , قال سبحانه : {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (63) سورة النــور . إننا معاشر البشر ضعفاء في غاية العجز أمام قوة الله وقدرته , وسلطانه وقهره , {يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} (15) سورة فاطر , {وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ} (17) سورة فاطر .
أجل , ما أهون الخلق على الله إذا عصوا أمره وهم يأكلون من رزقه , ويسكنون على أرضه , ويتمتعون بنعمه من صحة وأمن ورَغَدٍ في العيش , {وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ * ثُمَّ إِذَا كَشَفَ الضُّرَّ عَنكُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِّنكُم بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ} (53-54) سورة النحل , {إِنَّ اللّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَشْكُرُونَ} (60) سورة يونس , يقول الله تعالى : {وَإِذَا مَسَّكُمُ الْضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَن تَدْعُونَ إِلاَّ إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الإِنْسَانُ كَفُورًا * أَفَأَمِنتُمْ أَن يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ الْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا ثُمَّ لاَ تَجِدُواْ لَكُمْ وَكِيلاً * أَمْ أَمِنتُمْ أَن يُعِيدَكُمْ فِيهِ تَارَةً أُخْرَى فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قَاصِفا مِّنَ الرِّيحِ فَيُغْرِقَكُم بِمَا كَفَرْتُمْ ثُمَّ لاَ تَجِدُواْ لَكُمْ عَلَيْنَا بِهِ تَبِيعًا} (67-69) سورة الإسراء .
فيَا أيُّها الإنسَان :
فكِّر في أمرك , وفتّش في حالك , وتأمّل في الأمر الذي أنت قادم عليه , كلنا مذنبون , ولكن هناك فرق بين من يفعل المعصية وهو كارهٌ لها , خائف من تبعتها وأثرها , ينظر إلى ذنوبه كأنه جبل يخاف أن يسقط عليه , وبين من يفعل المعصية ويرتكب الكبائر ويَصلُ الذنب بالذنب , غير مبالٍ بمحرَّم , ولا مؤدٍّ لواجب , بل يرى ذنوبه كأنها ذباب وقع على أنفه فقال بيده فطار , فيا أيها المفرِّط المغرور , ويا أيها العاصي لمولاه , وهو يسمعه ويراه , لا تنظر إلى حجم المعصية فقط , بل فكِّر في عظمة ربك الذي عصيته وهو ينعم عليك ويسترك , فلا تأمن العقوبة , ولا تستخف بآثار المعاصي , فوالله لتجدن أثرها ولو بعد حين , {أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُواْ السَّيِّئَاتِ أَن يَخْسِفَ اللّهُ بِهِمُ الأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ * أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُم بِمُعْجِزِينَ * أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرؤُوفٌ رَّحِيمٌ} (45-47) سورة النحل .
فيا سبحان الله كيف لا ينتبه لنفسه :
مَن يتهاون في الصلاة ولا سيما صلاة الجماعة ؟ ومن يُصغي بسمعه إلى الباطل والأغنية ؟ كيف لا يبادر بالتوبة من يأكل ويتعامل بالمال الحرام , ومن يفعل الفواحش والآثام , ومن يتكلم بالفحش ورديء الكلام , ومن ينظر إلى القنوات والأفلام , ليت شعري ماذا سيقول المفرط المغرور , إذا بعثر ما في القبور , وحصل ما في الصدور , وبأي لسان يعتذر , {الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} (65) سورة يــس . فلا إله إلا الله ما أصعب الموقف , وما أشد الأمر , وما أعظم الهول , الحجة قد قامت , والرسل قد بلغت , والنذر قد وصلت , وبراهين القرآن قد وضحت , وسنن الله في الأمم الخالية قد عُلمت .
قال بعض السلف : ثلاثةٌ أمرهم عجب : مؤمِّل الدنيا والموت يطلبه , وغافل وليس بمغفول عنه , وضاحك بملء فيه لا يدري أساخطٌ عليه ربه أم راضٍ .
وقال رجل لـ(داوود الطائي) : أوصني . فبكى وقال يا أخي : إنما الليل والنهار مراحل ينزلها الناس مرحلة مرحلة حيى ينتهي بهم آخر سفرهم , فإن استطعت أن تقدِّم في كل مرحلة زاداً لما بين يديك فافعل , فإن انقطاع السفر عن قريب , والأمر أعجل من ذلك , فتزود لسفرك فكأنك والموت نزل بك . وهيهات لا تدري متى الموت ينزل .
عبَاد الله :
المعاصي والذنوب تفسد القلب , وتضعف فيه تعظيم الربّ , تسبب في قلب العاصي الخوف والرعب , وتمحق بركة العمر والرزق , الذنوب والمعاصي : سببٌ لهوان العبد على ربه , تطفئ نار الغيرة والحياء , وتسبب تسليط الأعداء , ونزول العقوبات الإلهية , يقول الله سبحانه : {فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنبِهِ فَمِنْهُم مَّنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُم مَّنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُم مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُم مَّنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} (40) سورة العنكبوت , {أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتاً وَهُمْ نَآئِمُونَ * أَوَ أَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ * أَفَأَمِنُواْ مَكْرَ اللّهِ فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ * أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الأَرْضَ مِن بَعْدِ أَهْلِهَا أَن لَّوْ نَشَاء أَصَبْنَاهُم بِذُنُوبِهِمْ وَنَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لاَ يَسْمَعُون * تِلْكَ الْقُرَى نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَآئِهَا وَلَقَدْ جَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ بِمَا كَذَّبُواْ مِن قَبْلُ كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللّهُ عَلَىَ قُلُوبِ الْكَافِرِينَ * وَمَا وَجَدْنَا لأَكْثَرِهِم مِّنْ عَهْدٍ وَإِن وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ } (97-102) سورة الأعراف .
قال بعض السلف : بَغَتَ القومُ أمرَ الله , وما أخذ الله قوماً إلا عند سكرتهم وغرتهم ونعمتهم فلا تغتروا بإمهال الله .
معاشِرَ المسلمِين :
إظهار المنكر وفُشُوُّ المعصية وظهورها وعدم القيام بإنكارها سبب للعقوبات المتنوعة والآثار الخطيرة , فحينما سُئل النبي صلى الله عليه وسلم : أنهلك وفينا الصالحون ؟ قال : ( نعَمْ , إذَا كَثُرَ الخَبَثُ ) .
يقول عمر بن عبد العزيز رحمه الله : (كان يُقال : إن الله لا يعذب العامَّة بذنب الخاصَّة , ولكن إذا عُمِلَ المنكر جهاراً استحقوا العقوبة كلهم ) . وعند الترمذي وأبي داوود : (( إنَّ النَّاسَ إذَا رأَوُا الظَّالمَ فلمْ يَأخُذُوا عَلَى يديهِ أوشكَ أنْ يَعُمَّهُمُ الله بعقابٍ مِنْهُ )) . [الترمذي 2168-أبو داوود 4338 وقد روي مرفوعا وموقوفا ورجح البعض الموقوف لكن له حكم الرفع لأنه مما لا يقال بالرأي] .
وفي المسند وسنن الترمذي عن حذيفة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( والذِي نفسِي بيدِهِ لتأمُرُنَّ بالمعرُوفِ وَلَتَنْهَوُنَّ عَنِ المُنْكَرِ أوْ لَيُوشِكَنَّ الله أنْ يبعثَ عليكُمْ عقاباً منهُ ثمَّ تدعونَهُ فَلا يُسْتَجَابُ لَكُمْ ) .
إذا أُهمل الأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر وطُوِيَ بساطُه حلَّ البلاء بالأمة , وتسلط عليها الأعداء , وأصيبت بالأزمات والكوارث , والاختلاف والتناحر , وأُغرق أفرادها بتناول الشهوات المحرمة بنفوس ضعيفة مادية لا تفكر إلا في الشهوة العابرة واللحظة الحاضرة , إنه لمصابٌ جلل أن ترى الشاب ليس له همٌّ إلا أغنية ماجنة , أو مجلة خليعة , أو مكالمة هاتفية شهوانية , أو فلم خبيث , أو سفر إلى بلاد الفجور والإباحية , أو ... , ألا هل يستطيع هذا الشاب الذي هذه طموحاته وأفكاره أن يجدَّ في تحصيل علم ينفع ؟ هل يستطيع أن يبني أسرة مسلمة تعتزُّ بدينها وكرامتها ؟ هل يستطيع أن يدافع عن نفسه وأمته إذا نزل الخطر ؟ , إن من ضيَّع أمر الله واستهان بمحارمه لا يؤمن شره , ولا يُرتجى خيره , كيف وقد خان أول منعم عليه ولم يَفِ بعهده .
فيَا أمَّة الإسْلام :
اللهَ اللهَ في إصلاح أنفسكم وأهليكم , مُرُوا بالمعروف وانهوا عن المنكر , وعلموا الجاهل ونبِّهوا الغافل برفق وعدل , وحكمة وعلم , عظموا شعائر الله في نفوسكم ونفوس أبنائكم , فإن المسؤولية عظيمة , {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} (6) سورة التحريم .
اللهم أصلح فساد قلوبنا , اللهم أصلح شباب المسلمين , اللهم طهر قلوبهم , وحصن فروجهم , وردهم إلى الهداية والصلاح , أقول هذا القول وأستغفر الله فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .
الخطبة الثانية
الحمد لله الحمد كله , وإليه يرجع الأمر كله , بيده الخير ومنه الخير وهو على كل شيء قدير , وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له العلي الكبير , يعلم ما أسرَّ العبد و ما أظهر وهو اللطيف الخبير , وأشهد أنَّ محمَّداً عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم وعى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان
أمَّا بعدُ : فإن المجاهرة بالمعصية والاستهانة بالذنب إثمٌ كبير , ومزلَقٌ خطير , يترفَّع عنه أصحاب العقول السليمة تعظيماً لله وإجلالاً له , {ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ} (30) سورة الحـج , وطلباً للعافية يقول النبي صلى الله عليه وسلم : (كلُّ أمَّتي مُعَافَى إلا المُجَاهِرِينَ ) .
فليحذر المرء من إعلان المعصية والمجاهرة بالخطيئة كترك الصلاة مع الجماعة , وتقليد الكفار باللباس والهيئة , ورفع الأغنية الماجنة , وشرب الدخان في المجامع العامة , وإعلان أيِّ معصية , فإن الله يمهل ولا يهمل , وهو سبحانه يغار وغيرته أن يأتي المؤمن ما حُرِّمَ عليه , يقول صلى الله عليه وسلم : (( يَا أمَّةَ محمَّد : واللهِ مَا مِن أحَدٍ أغْيَرُ مِنَ اللهِ أنْ يزنِي عبدُهُ أوْ تزنِي أمتُه , يا أمَّة محمَّد : واللهِ لو تعلمونَ مَا أعلمُ لضحكتُمْ قَليلاً ولبكيتُمْ كَثيراً )) . [رواه البخاري] .
ألا فاتقوا الله عباد الله , وجاهدوا أنفسكم على أداء ما افتُرض عليكم , والبعد عن السيئات , ولا تغبطوا أصحاب الشهوات المحرمة فإن لهم يوماً عظيماً تزِلُّ فيه الأقدام , ويعظم الهول والفزع , وما بينهم وبين هذا إلا الموت , وليس منه مهربٌ ولا مفَرّ , فلنَتُبْ إلى الله فإن ربنا رحيمٌ كريمٌ يقبل التوبة , ويعفو عن السيئات إذا ما كانت قبل حضور الممات .
جعلني الله وإياكم من التوابين المهتدين , ووفَّقنا للعلم النافع والعمل الصالح
امضاء الملك السعيد يتمنى منكم الدعاء له بان يحج العام القادم ان شاء الله امين